اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 517
وحبائلهم جميعا
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ على الفور مفاجئين مجتمعين سُجَّداً متذللين نادمين عن معارضته بعد ما رأوا ما رأوا من عجائب صنع الله وغرائب معجزاته ثم قالُوا بلسانهم موافقا لقلوبهم بلا تردد وتراخ قد آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى بان له القدرة والاختيار لا يعارض فعله أصلا بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وبعد ما وقع ما وقع
قالَ لهم فرعون على سبيل التقريع والتوبيخ وبعد ما سمع منهم الايمان ورأى تذللهم عند موسى بلا مبالاة له وبملأه قد آمَنْتُمْ لَهُ وسلمتم سحره بلا استيذان منى بل قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ بتسليمه فقد ظهر عندي إِنَّهُ اى موسى لَكَبِيرُكُمُ معلمكم ومقتداكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ في خلوتكم معه وبالجملة قد اتفقتم أنتم بأجمعكم ايها السحرة المكارون ان تخرجونى عن ملكي فو عزتي وجلالي وعظم شأنى ووفور مكنتى لانتقم منكم انتقاما شديدا فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ أولا مِنْ خِلافٍ متبادلتين وَبعد ذلك لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أياما فِي جُذُوعِ النَّخْلِ حتى يعتبر منكم كل من كان في قلبه بغضي وعداوتي وَان آمنتم بربه خوفا من شدة عذابه ودوام عقابه لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى وأدوم عقابا انا أم رب موسى
قالُوا بعد ما كوشفوا بما كوشفوا لَنْ نُؤْثِرَكَ ونرجحك ولن نختارك ابدا يا فرعون الطاغي عَلى ما جاءَنا وانكشف علينا من الحق الصريح سيما بعد ظهور المرجحات مِنَ الْبَيِّناتِ الواضحات الدالة على إيثاره وترجيحه مع انه لا بينة لك سوى ما جئتنا به من السحر من قبلك فقد أبطله فجاءة وَبالجملة قد كوشفنا الآن بانه سبحانه هو القادر الخالق الَّذِي فَطَرَنا وأوجدنا من كتم العدم بكمال الاستقلال والاختيار فله التصرف فينا ولا نبالى بتخويفك. وتهديدك إيانا يا فرعون الطاغي وبالجملة فَاقْضِ وامض علينا ما أَنْتَ به قاضٍ راض من القطع والصلب وغير ذلك إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا اى وما تقضى وما تحكم أنت اى حكم شئت او حكمت ما هو الا في هذه الحيوة الدنيا الفانية المستعارة إذ حكومتك مقصورة عليها او فيها ولا شك ان الدنيا وعذابها فانية حقيرة والآخرة وعقابها باقية عظيمة
وبالجملة إِنَّا قد آمَنَّا بِرَبِّنا الذي ربانا بأنواع النعم فكفرنا له ظلما وعدوانا واشركناك ايها الطاغي معه جهلا وطغيانا مع تعاليه عن الشريك والنظير فالآن قد ظهر الحق وارتفع الحجب فرجعنا اليه واستغفرنا منه لذنوبنا راجين مخلصين خائفين مستحيين طامعين منه لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَلا سيما ما أَكْرَهْتَنا أنت ايها الظالم الطاغي عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ المهان المرذول بمعارضة المعجزة العزيزة وَبعد رجوعنا اليه سبحانه بتوفيقه قد تحقق عندنا انه اى اللَّهُ خَيْرٌ منك ومن عموم ما سواه وَأَبْقى بعد فناء الكل وزوال السوى والأغيار مطلقا
وقد تحقق عندنا ايضا إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ القادر على انواع الانتقام والانعام مُجْرِماً مشركا طاغيا باغيا فَإِنَّ لَهُ اى قد حق وثبت له جَهَنَّمَ التي هي دار البعد والخذلان ابدا لا يَمُوتُ فِيها حتى يستريح وَلا يَحْيى حياة يستفيد بها
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً موقنا بذات الله وبكمالات صفاته وأفعاله ومع ذلك قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ بمقتضى أوامره سبحانه واجتنب عن المنهيات حسب نواهيه فَأُولئِكَ المؤمنون الصالحون لَهُمُ لا لغيرهم من العصاة الضالين الدَّرَجاتُ الْعُلى القريبة الى الدرجة العليا التي قد انتهت إليها جميع الدرجات
الا وهي جَنَّاتُ عَدْنٍ ومنتزهات علم وعين وحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق لذوي البصائر والأبصار الناظرين بعيون الاعتبار المستغرقين بمطالعة جمال الله بلا مزاجمة الأغيار خالِدِينَ فِيها
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 517